العمق الاستراتيجي لمصالح السعودية يكمن في استعادة دولة الجنوب

> توفيق جزوليت:

> في الذكرى التاسعة والعشرين لفرض الوحدة بفعل القوة العسكرية على جنوب اليمن، على دول الجوار و في مقدمتها السعودية أن تدرك أن العمق الاستراتيجي لمصالحها الحيوية يكمن في استعادة الجنوبيين لدولتهم، لن يكون هناك سلم وسلام في منطقتي اليمن و الخليج العربي دون فك الارتباط مع صنعاء.

يتزامن اليوم مع الذكرى الأليمة لاحتلال المحافظات الجنوبية الستة، وفرض الوحدة بالقوة، بعد مرور 29 عاما على تلك الحرب المأساوية التي شنها الرئيس الشمالي علي عبد الله صالح وحليفه الاستراتيجي الإخواني التجمع الوطني للإصلاح على جنوب اليمن بهدف فرض الوحدة و السيطرة على خيراته، و إذلال شعبه الصامد إلى حدود كتابة هذه السطور.

الهرولة إلى الوحدة الاندماجية مع‏ صنعاء، عدم استفتاء الشعب الجنوبي، وعدم إجراء مصالحة وطنية جنوبية أدت إلى فشل الوحدة، أما الخطأ الاستراتيجي العسكري الذي وقعت فيه القيادة العسكرية الجنوبية يتجلى في الموافقة على الخارطة العسكرية لتموضع القوات العسكرية الجنوبية والشمالية، حيث تم وضع أقوى الألوية العسكرية الجنوبية في مواقع يسهل على القوات الشمالية محاصرتها

لم تسمح صنعاء بتموقع الوحدات الجنوبية في صنعاء وحولتها إلى مواقع متفرقة في عمق أراضي الشمال، ووضعوا وحداتهم العسكرية في عدن بمحاصرتها.

الشيخ عبد الله بن الحسين ساهم في تأسيس التجمع اليمني للإصلاح بعد تلك الوحدة في شهر سبتمبر 1990، وذلك بإيعاز من الرئيس علي عبد الله صالح لكي يقوم هذا التجمع الإخواني بدور المعارضة للوحدة، وفي ذات الوقت رفض علي عبد الله صالح الالتزام بالتعديلات الدستورية، وبدأ الاستعداد للحرب لكي يفرض الوحدة بالقوة. تلا هذا الفتاوي التي صدرت عن الشيخ الزنداني أن المعركة هي بين مسلمين وملحدين، وبالتالي (حسب فتواه) يجب القضاء عليهم جميعا.

دخل الحزب الاشتراكي الذي كان يقود جمهورية الجنوب في إطار اليمن الديمقراطية الشعبية الوحدة مع اليمن الشمالي دون إجراء مصالحة وطنية داخلية نتيجة الصراعات التي شهدتها البلاد بعد الحصول على الاستقلال من بريطانيا عام 1967 و حتى عشية الوحدة، وأخطر محطات هذا الصراع هي أحداث الصراع الدموي في 13 يناير 1986، و هذا بلا ريب أضعف موقف الجنوبيين، ومكَّن الرئيس علي عبد الله صالح و قوى الحكم في صنعاء من قبائل و مشايخ و في مقدمتهم الإصلاح الإخواني و قيادات عسكرية يستغلون بذكاء وضع الجنوب الذي يفتقد إلى الوحدة والتماسك الوطني، وبالتالي يستفيدون من خصوم القيادة السياسية الجنوبية في معركتهم ضد الجنوب، وحشد كل القوى المعادية للجنوب بما فيهم الإسلاميين المنتمين إلى تنظيم القاعدة، واستقدامهم من أفغانستان وكذلك من السودان ومناطق أخرى لشن حرب ضروس ضد ( الكفار في جنوب اليمن).

سقطت عدن بين أيدي القوات الشمالية التي كان يقودها علي عبد الله صالح، وتدعمها مليشيات الإصلاح الإخوانية، و انتهت حرب صيف 1994، ومعها انتهت تلك الوحدة، ليصبح الجنوب مدمرا، مستعمرا.

و لا يزال أهل الجنوب العربي في المحافظات الستة وخصوصا في عدن الصامدة يدفعون ثمن تلك الوحدة التي تحولت إلى انتكاسة ومعاناة.

هذه رؤيتي من وجهة نظر القانون الدولي لإنهاء الصراع في اليمن، مع إيجاد حلول وسط مع دول الجوار دون التخلي عن المكتسبات وحق الشعب الجنوبي في استعادة دولته.

فشل اتفاق الرياض، و إصرار جناح التجمع الوطني للإصلاح الإخواني في الشرعية على الحيلولة دون التوصل إلى حل سياسي لأزمة اليمن بدعم خارجي خصوصا من قبل قطر و تركيا يتطلب مصارحة مع دول التحالف العربي، وموقفهم من فك الارتباط مع صنعاء، فالوضع لا يطمئن، والتلكؤ والتخاذل يخدم إخوان اليمن، و يزيد الطين بلة في معانات الجنوبيين، كما يعقد من إمكانية إحلال السلم و السلام في اليمن بشطريه.

من الناحية القانونية عقدت العام 1990، اتفاقية وحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية، و تم توقيعها في أبريل 1990، كانت اتفاقية دولية، دخلت حيز التنفيذ عندما تم المصادقة عليها من قبل عدن و صنعاء، المادة الأولى من هذه الاتفاقية تنص على ما يلي "تقوم بتاريخ 22 مايو 1990 بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية و جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وحدة اندماجية كاملة" هذه المادة أنهت الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى الجمهورية اليمنية ، لهذا فإن دولة جنوب اليمن انتهت قانونيا بحكم الوحدة الاندماجية ومقتضياتها الدستورية.

فما هي البدائل المطروحة من قبل القانون الدولي، لينبعث جنوب اليمن من تحت أنقاض دولة الوحدة التي فشلت بل وانتهت مع انطلاق الرصاصة الأولى لحرب 1994؟

الخيار الأول هو تبني الفيديرالية، أو الأقاليم، علما أن هذا الخيار لا يخرق بنود الدستور الحالي، ولكن يتطلب تنازلات واسعة بين الطرفين التي مما لا ريب فيه غير متاحة بسبب الحروب ومواقف الطرفين المتباينة والمحتدمة. كما أن هذا الخيار لا ولن يخدم مطالب الشعب الجنوبي في فك الارتباط.

الخيار الثاني هو اللجوء إلى الحكم الذاتي، وهو بديل غير واقعي، لكون الحكم الذاتي سلاح ذو حدين نجاحه و ضمان استمراره يعتمد على أربع ركائز أساسية لا تتوفر عند الحكومة المركزية في صنعاء ( أيالحوثي) و لا عند ما تسمى بالشرعية التي فقدت شرعيتها عمليا وقانونا و سياسيا، هذه الاعتبارات الأربعة يحددها فقهاء القانون الدولي فيما يلي:

- الحكومة المركزية التي تقترح الحكم الذاتي يجب أن تمارس حكمها في مناخ ديمقراطي.

- الحكومة المركزية التي تقترح حكما ذاتيا يجب أن تحترم حقوق الإنسان و بالتالي حقوق الأقليات.

- أن تسود الثقة بين الحكومة المركزية و حكومة الحكم الذاتي.

- أن تعمل الحكومة المركزية على ضمان الحد الأدنى من الازدهار الاقتصادي في منطقة الحكم الذاتي هذه الاعتبارات لا توجد بأي شكل من الأشكال في منطقة اليمن.

لهذا وذاك يظل الاستقلال هو الخيار المنطقي والذي يتجاوب مع متطلبات الشعب الجنوبي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن وضع الجنوب وضع خاص، لأن جنوب اليمن كان دولة معترف بها دوليا قبل الوحدة.

فأين يتجلى دعم القانون الدولي لجنوب اليمن في إقامة دولة فوق أراضيه؟

The Montevideo convention on the rights of states is an international treaty signed in Uruguay,on december 26, 1933

اتفاقية مونتيفديو للعام 1933، التي صادقت عليها الأمم المتحدة بعد إنشائها العام 1945، كما صادق عليها الاتحاد الأوروبي، وأضحت بالتالي قاعدة ومبدأ صريحا في القانون الدولي، وفقا للمادة الأولى بخصوص أشكال الدول، الدولة يجب أن تتوفر فيها المؤهلات التالية:

- سكان مقيمون بشكل دائم.

- أراضي محددة بوضوح.

- حكومة قادرة على إنشاء علاقات مع دول أخرى.

بالنسبة لليمن الجنوبي من المؤكد أنه قادر على تلبية هذه الشروط ما دام أن الحراك الجنوبي الذي يقوده المجلس الانتقالي بدعم من الرأي العام الجنوبي يضع فك الارتباط مع جمهورية اليمن هدفا استراتيجيا لا تراجع عنه، فيجب التفكير في التحول من عقلية مجلس تحرري إلى عقلية حكومة تضم كوادر جنوبية، والأهم من هذا وذاك إيجاد صيغة حلول وسط مع دول الجوار تضمن حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته السليبة.

لا ريب أن القانون الدولي لا يتعارض مع رغبة أهل الجنوب في الاستقلال بل يدعمه، على القيادة السياسية أن تنهج أسلوبا مقنعا وذكيا في استعمال مقتضيات القانون الدولي.

* أستاذ حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني
جامعة محمد الخامس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى