التايمز: السودان بلد ضخم ويجب عدم السماح له بالفشل أو الانزلاق لحرب أهلية

> لندن "الأيام" وكالات:

> ​تساءلت المعلقة في صحيفة “نيويورك تايمز” ليديا بولغرين عن الموقف الأمريكي من أزمة السودان: “هل اكتشفت أمريكا أن السودان كبير لكي يُسمح له بالانهيار؟”، وقالت إن جماعتين مدججتين بالسلاح يقودهما عدوان لدودان يتبارزان في منطقة حضرية ذات كثافة سكانية عالية ويعيش فيها نفس عدد سكان مدينة نيويورك تقريبا. ومات مئات المدنيين وجرح الآلاف، مع أن الحصيلة الحقيقية قد تكون أعلى. والتزم السكان في بيوتهم بعيدا عن حرب الشوارع والقصف الجوي. ويتناقص الطعام والمياه ولم يعد لدى المستشفيات سوى إمدادات قليلة. وحزم عمال الإغاثة الإنسانية سيارتهم الرياضية البيضاء وهربوا إلى بر الأمان.

وركب الدبلوماسيون الغربيون والإقليميون المروحيات والطائرات والحافلات وخرجوا. وتم التخلي عن سكان السودان البالغ عددهم 45 مليون نسمة وتركوا في مرمى قتال حتى الموت بين رجلين يريدان حكمهم، الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو، حميدتي، نائبه وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية والتي كانت محورية في عمليات التطهير العرقي في دار فور.

 ويدور القتال منذ أكثر من أسبوعين بدون نهاية له بالأفق. و”مثل بقية الذين قضوا وقتا في السودان، فإنني أراقب الأزمة تتكشف بنوع من الرعب والفزع وأحاول فهم لماذا حدثت كارثة على هذه القاعدة في جزء استراتيجي من العالم. فأين كانت المناورات على مستويات عالية بطريقة قادت للسلام وصنعت حكما ديمقراطيا للسودانيين الذين عانوا طويلا؟ و”كلما سمعت عما يجري في السودان، احترقت أذني بالنقد الشديد للدبلوماسية الفاشلة من الدبلوماسيين الحاليين والسابقين في المنطقة. ومن المدهش أن بعض الدبلوماسيين تحدثوا علنا عن الفشل بمنع وقوع الأزمة والتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار والسماح للناس بالهروب من محور المعركة وحتى الحصول على الاحتياجات الأساسية”.

وقال أليكس روندوس، مبعوث الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الإفريقي “نراقب تحطم القطار وهو يجمع سرعته” و”لماذا وصلنا لشيء كارثي مثل هذا؟”. فقبل أربعة أعوام أدت حركة احتجاج شوارع للإطاحة بحكم عمر حسن البشير وجلبت معها آمالا للسودان بنسخة متأخرة من الربيع العربي وأن البلد يمكنه أن يطوي الصفحة ويمضي نحو الديمقراطية. إلا أن العملية كانت مفخخة منذ البداية، فقد ساعد الزعيمان العسكريان على التخلص من البشير وأصدرا أصواتا حول الحكم المدني، ووافقا على إنشاء حكومة انتقالية مدنية تابعة لهما. وبدا سريعا ألا نية لهما التنازل عن السلطة.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021 نظما انقلابا، وبعد التخلص من الحكم المدني حول الجنرالان أسلحتهما ضد بعضهما البعض، ووجد السودانيون أنفسهم في الوسط. وتقول الكاتبة إن العملية الدبلوماسية في الأشهر الأخيرة تولاها خليط من الدبلوماسيين المتوسطين ومن دول إقليمية ومنظمات دولية. ويقول الباحث في شؤون السودان أليكس دي وابل إن الجهود الدبلوماسية “هي اكتظاظ مروري من دبلوماسيين من الصفوف الوسطى”. وظل الدبلوماسيون والمحللون السودانيون الذين تحدثت إليهم الكاتبة يتساءلون: أين الولايات المتحدة؟

ففي عالم متعدد القطبية، ربما نقص الولايات المتحدة النفوذ والمكانة لكي تطوع الأحداث حسب إرادتها. وربما كان هذا أمرا ليس سيئا في حد ذاته، فباكس أمريكانا دائما جاءت بثمن على السيادة وحق تقرير المصير للناس من عالم الجنوب، تحديدا. كل هذا لا يجعل أمريكا قوة لا يستغنى عنها في تحقيق السلام والاستقرار والديمقراطية هذه المرة. فقد نجحت الولايات المتحدة في الماضي بجمع قوى لا يمكن مصالحتها والجماعات الوكيلة عنها للبحث عن طريق للسلام في السودان. وفي يوم الإثنين دعت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، وبسبب غياب الدبلوماسية الواضحة، إدارة بايدن والأمم المتحدة لتعيين شخصيات بارزة كمبعوثين وقالت إن “هناك حاجة لقيادة مباشرة، مستدامة وعلى مستويات عالية لوقف القتال ومنعه من جر البلاد نحو حرب أهلية واسعة وانهيار البلد”.

ربما كان من المغري رفع أيدينا والقول إن التحول نحو الحكم المدني في السودان يظل مهمة مستحيلة، فقد عاش حربا استمرت 40 عاما من 67 عاما منذ استقلاله. ومع ذلك هناك دليل بسيط وهو أن الدبلوماسية العالية والتي يشترك فيها لاعبون دوليون ومحليون كانت فعالة في الماضي، مما يجعل من الفراغ اليوم أمرا مثيرا للخوف. وطالما شغل مستقبل السودان الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون. وكان إنهاء الحرب بين الشمال والجنوب أولوية لإدارة جورج دبليو بوش، بحيث بعث صديقا وحليفا وهو السناتور السابق جون دانفورث كمبعوث خاص.

وأرسلت إدارة باراك أوباما المبعوثين البارزين لحشد القوى الإقليمية وإغرائها عندما بدا وكأن اتفاق السلام بين الجنوب والشمال قد خرج عن مساره. ودخلت على الخط رموز إقليمية مهمة، رئيس جنوب أفريقيا ونيجيريا السابقان ورئيس الوزراء الإثيوبي في حينه ميليس زيناوي حيث لعبوا دورا في الحفاظ على اتفاقية السلام وتحقيق الاستفتاء الذي قسم البلد. وبالمقارنة فالأزمة الحالية يعمل عليها دبلوماسيون من مستوى الوسط وتكنوقراط.

واعترف مبعوث الأمم المتحدة للسودان فولكر بيرثس في مقابلة مع “فوكس نيوز” هذا الأسبوع “رغم تزايد التوتر بين الجنرالين لم نر أن هذا سيحدث”. وهذا مثير للسخط لأن السودان أصبح أكثر من كونه أولوية استراتيجية للولايات المتحدة وجيران السودان. فهو ليس من الدول الكبرى في القارة الأفريقية، بل لأنه يقع على مفترق المياه في الشمال والصحراء الأفريقية وقربه من شبه الجزيرة العربية. ويشمل جيرانه والتأثيرات الإقليمية على مزيج قابل للاشتعال من دول هشة، واستراتيجية ودول قوية في العالم: الصومال، إثيوبيا، مصر، إريتريا، اليمن والسعودية والإمارات العربية المتحدة إلى جانب منافسي الولايات المتحدة وهما الصين وروسيا، وكلها لديها مصالح في السودان وفي النزاع الأخير. وخلف الجيوسياسة أناس حقيقيون بطموحات حقيقية لبلدهم.

وهناك ميل للتركيز على الفاعلين العسكريين وتجاهل القوى المدنية بما فيها الأحزاب السياسية وحركات الاحتجاج والمجتمع المدني. وقال دبلوماسي غربي “هناك نقاش أن المدنيين لا يستطيعون التوافق على شيء” و”الهدف هو بناء ديمقراطية بتعددية، نعم إنها فوضى وديموقراطية فوضوية”.

ولم يكن قادة السودان المدنيون أقل عنفا في تقييمهم للجهود الدبلوماسية. وقال أمجد فريد، المستشار السابق للإدارة المدنية “كانوا يعمقون عملية سياسية زادت من الاستقطاب والشهوة للسلطة بين الفصائل العسكرية حتى انفجرت” و”لا يمكنك تقديم ديمقراطية غير شمولية، وقد رأينا هذا كثيرا في أفريقيا، فهي عن شمل مطالب الناس العاديين في الشوارع”. وهناك حاجة لمن يقود عملية الانتقال المعقد للحكم المدني وهناك حاجة لضامن لها. ولن يكون هذا رخيصا. وهناك حاجة لشراء الجيش واستبدال ما يحصل عليه من موارد ناجمة عن سيطرته على الدولة.

والسودان بحاجة لدعم طويل الأمد، مال يؤكد استقلالية الحكومة المدنية. والسودان كبير جدا واستراتيجي للسماح له لكي يفشل. ويعرف جيرانه والقوى الإقليمية هذا، وهذا هو سبب مشاركتها مع الطرفين. ومعظم دول الخليج المشتركة، لا تهتم بالديمقراطية أو معادية لها. ومصر التي نسيت أن السودان لم يعد دولة محتلة لها لديها علاقات قوية مع الجيش السوداني وتعارض الديمقراطية في جارتها الجنوبية.

لكن الحل الحقيقي والوحيد للأزمة في السودان هو الأصعب: دولة جديدة غير ديكتاتورية التي أثر عليها المتطرفون الإسلاميون، ويستحق الشعب السوداني الفرصة لكي يحكموا أنفسهم في النهاية عبر إجماع عام وأحرار من الديكتاتورية والبندقية. والآن وقد وصلت حروب السودان التي لا تنتهي إلى العاصمة، فلا عذر للعالم كي يقود هذه الأمة العملاقة نحو الديمقراطية. وقد تم عكس المنطق اليوم عن الواقعية السياسية التي اقتضت أن الاستقرار مرتبط بديكتاتورية عسكرية. فقد أظهرت الحرب الفوضوية بين قوى الأمن في شوارع الخرطوم ومرة ثانية أن الرجال بالبنادق هم المشكلة لا الحل للسودان الذي يعاني.

وتواصل الولايات المتحدة الحديث للعالم أنها مع الديمقراطية ضد الاستبداد، لكن هذه الرسالة عكرت من خلال دعمها حلفاء مهمين مثل الهند وإسرائيل الذين ينزلقون باتجاه الشمولية. وتعتبر أزمة السودان فرصة مهمة للولايات المتحدة كي تعيش للقيم التي تتفاخر بها حول العالم، لكنها غائبة أو صامتة عنها. ورغم الخطاب فإن إدارة بايدن لم تظهر التزاما كافيا بالديمقراطية، والسودان هو مثال حقيقي، كما تقول خلود خير، المحللة السياسية في الخرطوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى